نقص الغاز الطبيعي يفاقم حرارة صيف مصر.. ما الحل؟

عادت مصر لتنضم مجدداً إلى صفوف مستوردي الغاز الطبيعي المسال بعد 5 أعوام عاشتها البلد الأكبر من حيث عدد السكان عربياً في نادي المصدرين.
جاء هذا التحول رغم جهود المسؤولين لتحويل البلاد لمركز إقليمي للطاقة بالمنطقة بعد كشف حقل "ظُهر"، لكن تقادم الآبار والتناقص الطبيعي للحقول ومشكلة العملة الصعبة وتأخر سداد مستحقات شركات النفط الأجنبية أجهض هذه المحاولات في ظل تراجع حجم الإنتاج وسط تزايد الاستهلاك.
مسؤول حكومي تحدث مع "الشرق"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، قال إن إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي حالياً يصل إلى 4.8 مليار قدم مكعب يومياً تقريباً، مقابل حجم استهلاك يصل لما يقارب 7 مليارات قدم مكعب يومياً.
تراجع إنتاج الغاز الطبيعي في مصر العام الماضي إلى أدنى مستوياته منذ 2017، حسبما تظهر أرقام مبادرة بيانات المنظمات المشتركة "جودي"، ليبلغ 59.29 مليار متر مكعب، بانخفاض 11.5% عن 2022.
بدأت مصر في الشهرين الماضيين شراء شحنات الغاز الطبيعي المسال في خطوة نادرة لتجنب الانقطاعات في الكهرباء. واشترت شركة "إيجاس" الحكومية مؤخراً أكثر من شحنة على الأقل من الغاز الطبيعي المسال للتسليم الفوري إلى محطة العقبة للتغويز في الأردن، قبل نقلها بأنابيب إلى مصر، وقبل أن تصل سفينة التغويز "هوج" التي استأجرتها مصر لاستيراد الغاز الطبيعي المسال مباشرة إلى أراضيها.
ناقلة "هوج جاليون" للغاز المسال تصل مصر منتصف الشهر الحالي
وصلت مستحقات الشركات الأجنبية العاملة بالاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما لدى "الهيئة المصرية العامة للبترول" لنحو 4.5 مليار دولار، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي.
هبوط واردات مصر من الغاز الإسرائيلي 26% منذ مطلع يونيو
سددت مصر 1.5 مليار دولار من مستحقات شركات النفط الأجنبية في مارس الماضي، ووعدت البلاد الشركات بسداد دفعة جديدة من المستحقات خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، وفقاً لما أعلنه مصطفى مدبولي رئيس الوزراء نهاية مايو، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
من شأن مرور صيف آخر من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق كبير أن يزيد الضغط على السكان الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير، وارتفاع أسعار الوقود المحلية.
كمال أضاف لـ"الشرق" أن محطات الكهرباء في مصر تعتمد بنسبة تصل إلى حوالي 93% على إمدادات الغاز والبترول، وأن "عدم توافر إمدادات الطاقة بالكميات المطلوبة يتسبب في لجوء الحكومة إلى قطع التيار عن المواطنين".
تطبق مصر منذ انتهاء عطلة عيد الفطر نظام تخفيف الأحمال الكهربائية، إذ تقطع الكهرباء لمدة تتراوح من ساعتين إلى ثلاثة يومياً بالتناوب بين المناطق المختلفة، وهو إجراء يُقابل بسخط شعبي كبير، لكن لا حل أمام الحكومة غير قطع الكهرباء وسط نقص الإنتاج وتراجع الاستيراد وزيادة الاستهلاك، وعدم سداد مستحقات الشركاء الأجانب بالقطاع من أجل حفر آبار جديدة لتعويض تناقص الحقول الطبيعي.
في محاولة من الحكومة لحل الأزمة التي تفاقمت آثارها خلال الأسبوع الجاري، أعلن مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري عن قرب انتهاء أزمة انقطاع التيار الكهربائي، مؤكداً وقف تطبيق خطة تخفيف الأحمال الكهربائية بدءاً من نهاية يوليو المقبل. كما أوضح مدبولي أنه تمت الموافقة على تخصيص 1.180 مليار دولار لتوفير المنتجات اللازمة.
اقرأ أيضاً: مصر تعد بوقف تخفيف أحمال الكهرباء نهاية يوليو
المسؤول الحكومي الذي تحدث لـ"الشرق"، قال إن محطات الكهرباء تستهلك أكثر من 60% من الغاز المتاح في الشبكة يومياً، واعتبر أن "هذا أمر غير منطقي في ظل تراجع إنتاج الغاز محلياً".
بدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي "نوبل إينرجي" -التي استحوذت عليها "شيفرون" في 2020- و"ديليك دريلينغ" من جانب، وشركة "دولفينوس" القابضة المصرية من جانب آخر.
مصر تعتزم سداد 20% "جديدة" من مستحقات شركات النفط الأجنبية في يونيو
استقبلت مصر خلال الأيام القليلة الماضية وحدة عائمة للغاز الطبيعي المسال، سفينة "التغويز" المعروفة باسم "هوج جاليون"، بهدف المساهمة في تأمين الاحتياجات الإضافية للاستهلاك المحلي خلال أشهر الصيف.
وتُعرف عملية "التغويز" بأنها إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى صورته الغازية الصالحة للاستهلاك المباشر.
الحكومة المصرية تتجه كذلك في خطوة نادرة إلى طرح مناقصة عالمية لاستيراد حوالي 17 شحنة من الغاز المسال حتى أكتوبر المقبل لسد احتياجات البلاد، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع "الشرق" في وقت سابق من الشهر الجاري مشترطاً عدم نشر اسمه. قالت مصادر تجارية لـ"رويترز" إن المناقصة تتضمن سداداً مؤجلاً لمدة تصل إلى 6 أشهر.
لفت مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إلى وجوب العمل على زيادة عمليات الحفر والاستكشاف في المدة المقبلة لرفع إنتاج الزيت والغاز المحلي، مشيراً إلى أن بدء الحكومة في صرف مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في القطاع والمتراكمة منذ أزمة الدولار سيساهم في عودة أعمال تنمية الحقول إلى معدلاتها الطبيعية، ما قد يساعد على زيادة الإنتاج المحلي.