• الرئيسية
  • القيم الأخلاقية بين الماضي والحاضر

القيم الأخلاقية بين الماضي والحاضر

بنك مصر الشهادة الدولارية

السبت 07 نوفمبر 2020 - 10:04

 
أتذكر ما قاله لي والدي عندما كنا نقوم ببعض الإصلاحات في بيتنا، وكنت أريد من العمال الاستمرار في العمل بعد الساعة الخامسة؛ لسرعة الانتهاء من هذه الإصلاحات، إلا أن أبي لم يسمح بذلك حتى لا يتسبب  في قلق وإزعاج من حولنا من الجيران.
 
وفي أحد البرامج الإذاعية، قالت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة - رحمها الله - إن الناس في فرنسا لا يسمح لهم بممارسة أي أعمال من شأنها إزعاج الآخرين، مضيفة أنه من يقوم بتعلية صوت التلفاز بعد الساعة العاشرة مساءً فإنِه يتعرض للمسائلة القانونية، اتسائل أين نحن من هذا اليوم؟ ماذا حدث لهذه القواعد والأصول المتعارف عليها بين أفراد المجتمع الواحد؟ هل تختلف القيم والأخلاق من جيل لجيل؟ هل سلوك الإنسان نحو غيره يتغير؟
 
في بيتنا على سبيل المثال، لم يراعى جاري حقي في العيش في مسكن وقام بتحويل الوحدة السكانية التي خصصتها له الدولة إلى محلات على مرأى ومسمع من الجميع، ولم يراعى المبادئ التي تربينا عليها من حق الجار، حيث يعتبر أن من يمتلك وحدة سكانية من حقة أن يفعل بها ما يشاء، إنه الجار الذي لم يرعى حريتي، وراحتي في مسكني ضاربًا عرض الحائط بكل القيم والمبادئ في مرعاة حقوق الجار ناظرًا إلى نفسه، والاستفادة المادية، والمنافع الشخصية التي سوف تعود عليه هو فقط.
 
لقد أكدت الشريعة الإسلامية أن الجار له حقٌ عظيمٌ في الإسلام، لاشك أن الجار له حقوق كثيرة منها كف الأذى عنه، وهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من إيذاء الجار أشد التحذير، وتنوعت أساليبه في ذلك، ومن ذلك قوله: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: "مَن لا يأمن جاره بوائقه".
وكذلك في حديث المرأة التي تصلي الليل، وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي به جيرانها، قال عنه الرسول الكريم: "لا خير فيها، هي في النار".
 
وقال الله تعالى: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا". سورة النساء
 
في ظل هذه السلوكيات، من ما هم أكبر سنًا والقدوة الحسنة، لم يكن غريبًا أن نرى طفل يقود سيارة دون علم والديهم، ومعه بعض أصدقائه يتهكم على رجل المرور أثناء مطالبته بإظهار رخصة القيادة ليرد الطفل بطريق غير لائقة، ويصدم الشرطي ويفر هاربًا، هذا الطفل ليس المذنب الحقيقي بل المذنب الحقيقي من جعله يتصرف بهذه السلوكيات، لكي نربي أبنائنا "فلابد أن نكون أولاً متربين".
 
وأكدت ديان جوتسمان، خبيرة آداب السلوك ومؤلفة كتاب "الآداب الحديثة من أجل حياة أفضل"، إن الطفل مهما حصل على نصائح حول الأخلاق من الوالدين لن يتعلم غير الذي يراه أمام لأن يقلد السلوك وأول من يتم تقليده هو الأب والأم.
وأوضحت أن الوالدين يظنون أن الطفل لا ينتبه لهم ولكن الأمر عكس ذلك لأن الأطفال يراقبون البالغين في كل الأوقات وبتركيز شديد، ناصحة بتعليم الأطفال السلوك الجيد بشكل غير مباشر من خلال دفهم للتقليد حتى لا يشعرون أنهم يتلقون أوامر.
 
ويقول الشاعر أبوالعلاء المعرّي: 
وينشأ ناشئُ الفتيان منا على ما كان عَّودهُ أبوهُ .. وما دان الفتى بِحِجى ولكنْ يُعلّمهُ التديّنَ أقربوهُ
فقد باتت الحاجة ملحة أن نربي أبنائنا بالطريقة الصحيحة، فهم اللبنة الأساسية في صرح هذا المجتمع، ونزودهم بالقيم الأخلاقية والسلوكيات الحميدة، والمبادئ السامية، والفضائل السلوكية، بحيث تكون مراعاتها والمحافظة عليه قوة دافعة، وأساس بناء المجتمع واستمراره.
لم يعد يخفى على أحد التراجع الأخلاقي الكبير الذي ضرب المجتمعات خلال السنوات الأخيرة في كثير من سلوكيات الناس، وذلك قد يرجع لعوامل كثيرة تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا التراجع الملحوظ.
 
إن أزمة المجتمعات اليوم هي أزمة أخلاقية فقد أصبح الناس في وضع إنحطاط رغم ثقافتهم إلا أن أخلاقهم ليست بالمستوى الراقي وبالشكل المطلوب.
فالأخلاق هي عنوان الشعوب، وأساس كل حضارة راقية، والرقي بالأخلاق رسالة الأنبياء من آدم حتى النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم؛ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فجميع الأديان تدعو للاخلاق.
 
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
 
د. هويدا عزت
باحثة وكاتبة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة
 

التعليقات

استفتاء

ما رأيك بــ الصفحه الجديده للشبكة ؟


  ممتاز

  جيد

  لا بأس

  ضعيف
نتائج الاستفتاء

أحدث الصور

غاز مصر
image title here

Some title