الثلاثاء 15 أبريل 2025 12:09 مـ 16 شوال 1446 هـ
أسواق نيوز
رئيس مجلس الإدارة معتصم ابراهيم رئيس التحرير أشرف سعيد
×

زيادة أسعار الوقود تهدد بتفاقم وتيرة التضخم في مصر

الأحد 13 أبريل 2025 10:56 صـ 14 شوال 1446 هـ

تعاني إيمان عبد العاطي، التي تربي 6 من الأولاد والبنات مع إصابة زوجها بأمراض مزمنة تمنعه من العمل، يومياً لتدبير احتياجاتها اليومية من المأكل والتعليم والمواصلات ودروس الأبناء، فجاءت الزيادة الأخيرة بأسعار البنزين والسولار، الذي يعتمد عليه أغلب الشركات والمصانع والتجار لنقل بضائعهم وخضراواتهم للأسواق، لتفاقم وضعها الصعب أصلاً.

رفعت مصر أسعار المواد البترولية، يوم الجمعة، للمرة الثانية خلال 6 أشهر، متوقعةً أن تحقق وفراً قدره 35 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية 2024-2025.

زيادة الأسعار شملت جميع أنواع البنزين والسولار، وبلغت قيمة الزيادة جنيهين للتر، وحسب الأسعار الجديدة، صعد سعر بنزين "95" من 17 جنيهاً إلى 19 جنيهاً للتر، وبنزين "92" من 15.25 جنيه إلى 17.25 جنيه للتر، وبنزين "80" من 13.75 جنيه إلى 15.75 جنيه للتر. كما رفعت سعر السولار من 13.5 جنيه إلى 15.5 جنيه للتر، وسعر طن المازوت من 9500 جنيه إلى 10500 جنيه للطن.

تسارع التضخم في مصر

من شأن زيادة كلفة كافة فئات المحروقات -التي تواجه غضباً شعبياً في وقت تواصل فيه الأسعار الارتفاع- أن تغذي التضخم في مصر، خصوصاً بعدما تسارع في مدن مصر خلال مارس الماضي، إلى 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة الإحصاء.

يُعد هذا أول تسارع لأرقام التضخم خلال آخر ستة أشهر، حيث كانت قراءة أسعار المستهلكين مرتفعة آخر مرة في أغسطس الماضي، متأثرةً بعوامل مثل زيادة أسعار الوقود وتذاكر وسائل النقل العام، بما في ذلك القطارات ومترو الأنفاق.

يرى عدد من المحللين ببنوك الاستثمار، أن زيادة أسعار الوقود ستساهم في خلق بعض الضعوط التضخمية خلال الأشهر المقبلة، كما أنها لم تغير توقعاتهم بخفض أسعار الفائدة في الفترة المقبلة.

عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر لتداول الأوراق المالية"، يرى أن الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين قد تضيف لمعدلات التضخم حوالي 0.4% بشكل مباشر، لكن التأثير الثانوي الناتج عن ارتفاع أسعار سلع وخدمات أخرى، مثل المواد الغذائية نتيجة زيادة تكلفة النقل، قد يدفع التضخم إلى مستويات أعلى.

الألفي، أضاف لـ"الشرق": "لا أتوقع أن يكون تأثير زيادة أسعار المواد البترولية كبيراً على معدلات التضخم، خاصة وأنها لا تزال دون مستوى 15%"، موضحاً أن زيادة المواد البترولية كانت متوقعة منذ فترة. و"لا أرى أنها ستغير الاتجاه القائم نحو خفض أسعار الفائدة"، متوقعاً خفضها 200 نقطة أساس في الاجتماع المقبل، وبواقع 600 نقطة أساس خلال العام الجاري.

وزاد سعر أسطوانة البوتاغاز المنزلي (12.5 كغم) من 150 جنيهاً إلى 200 جنيه، وأسطوانة البوتاغاز التجاري من 300 جنيه إلى 400 جنيه، وطن الغاز الصب من 12 ألفاً إلى 16 ألف جنيه.

مخصصات دعم الوقود

قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2024-2025 بلغت حوالي 71 مليار جنيه، بحسب التقرير النصف السنوي لوزارة المالية.

مجدي طلبة عضو المجلس التصديري للملابس الجاهزة قال لـ"لشرق" إن "قطاع الملابس الجاهزة تأثر بشكل كبير من زيادة سعر الوقود الأخير، ويتوقع زيادة بين 5% و10% بتكلفة النقل عما هو موجود الآن، ويجب على الحكومة عدم إجبار المصانع على التأمين الإجباري للعاملين للتخفيف عنهم".

تستهدف الحكومة المصرية خفض مخصصات دعم الوقود في مصر بمشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2025-2026 إلى 75 مليار جنيه، وفقاً لبيان صدر عن مجلس الوزراء مؤخراً.

كان رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، أشار في وقتٍ سابق من الشهر الجاري إلى أن الحكومة تعتزم تنفيذ خطة لرفع دعم الوقود تدريجياً بحلول نهاية عام 2025، مع الاستمرار في تقديم دعم جزئي لمنتجات محددة، أبرزها السولار وأسطوانات غاز الطهي.

ضغوط تضخمية

سارة سعادة، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي في شركة "سي آي كابيتال"، ترى أن رفع أسعار المحروقات سيخلق بعض الضغوط التضخمية، ولكنها متوقعة خاصة أن خطة رفع أسعار المحروقات معلنة منذ أكتوبر الماضي.

ولكنها أشارت إلى أن التذبذبات الحادة في الأسواق العالمية خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، تسببت في بعض التخبط، خاصة أن الزيادة المحلية فى أسعار الوقود جاءت أعلى من الـ10%.

سعادة أضافت في حديثها لـ"الشرق"، أن تلك الضغوط التضخمية إلى جانب تقلبات الأسواق العالمية من شأنها أن تدفع البنك المركزي المصري إلى الإبقاء على أسعار الفائدة، خاصة أن قرار خفض الفائدة لن يأتي إلا بعد استقرار المسار الهبوطي للتضخم في البلاد، مرجحة أن يصل متوسط التضخم في مصر خلال العام الجاري عند 15%.

تعتمد لجنة تسعير الوقود في مصر، والتي تأسست في يوليو 2019، في قراراتها بشأن زيادة أو خفض أو تثبيت الأسعار، على متوسط أسعار خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه، بالإضافة إلى معدل التضخم في قطاع النقل.

وتستهلك مصر سنوياً 18 مليار لتر سولار، ويُقدّر أن كل لتر يستهلكه المواطن تدعمه الدولة بنحو 5 جنيهات، وهو ما يعني أن قيمة دعم السولار مرتفعة بشكل كبير، حسب مسؤول حكومي لـ"الشرق".

تعمل إيمان عبد العاطي -السيدة المسؤولة عن مأكل ومشرب وتعليم لستة من الأولاد والبنات في مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية وحتى الثانوية العامة- أكثر من 10 ساعات يومياً بأحد المصانع بالمناطق الشعبية لتوفير مصروفات منزلها الأساسية بجانب ما يُقدَّم لها من بعض مؤسسات المجتمع المدني من الجمعيات الخيرية الأهلية.

أية زهير، رئيسة البحوث في "زيلا كابيتال"، تشير إلى أن زياة كلفة الوقود ستنعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات المختلفة، ما سيتسبب في موجة تضخمية جديدة إلا أنها ستكون أقل عنفاً وتأثيراً على قراءات التضخم المقبلة مقارنة بسنة الأساس، متوقعة ألّا تتجاوز معدلات التضخم حتى نهاية العام حاجز 15%، والتي ما تزال بعيدة عن معدلات الفائدة الراهنة، ما يجعل الطريق فسيحاً أمام خفضها بدءاً من الاجتماع المقبل بنسب قد تتراوح من 1.5% إلى 2%.

زهير، أكدت أن زيادة أسعار المحروقات الأخيرة غير مفاجئة وكانت متوقعة في إطار اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي.

الحكومة: لا تغيير لأسعار الوقود قبل 6 أشهر

أكدت وزارة البترول المصرية أنه لن تتم دراسة تغيير الأسعار الحالية للمنتجات البترولية قبل مرور ستة أشهر مقبلة، في إشارة إلى التزام الحكومة بسياسة تسعير محددة تستند إلى متوسطات التكاليف والأسعار العالمية.

الوزارة أضافت أن الدولة حريصة على توجيه الجزء الأكبر من الدعم إلى المنتجات الأكثر استخداماً بين المواطنين، وفي مقدمتها السولار والبوتاغاز وبنزين 80 و92، وذلك بهدف تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، خصوصاً محدودي ومتوسطي الدخل.

هيثم فهمي، رئيس قسم البحوث بشركة "برايم"، يرى أن قرار لجنة تسعير المواد البترولية بتحريك سعر الوقود بنسب تتراوح من 10.5% إلى 14.8% كان غير مفهومٍ فى ظل التراجع الحاد في أسعار النفط، حيث انخفض خام برنت بنسبة 15.2% منذ بداية العام ليصل إلى 63.33 دولار للبرميل، وهو سعر يقل كثيراً عن سعر النفط الذي قدرته الحكومة فى الموازنة الجديدة لعام 2025-2026 والذي يتراوح بين 69 دولاراً إلى 73 دولاراً للبرميل، فضلاً عن النظرة المستقبلية السلبية لأسعار النفط.

تستورد مصر نسباً متفاوتة من احتياجاتها من المنتجات البترولية، حيث تستورد نحو 40% من كميات استهلاك السولار، و50% من كميات استهلاك البوتاغاز، إضافة إلى 25% من كميات استهلاك البنزين، وفقاً لبيانات رسمية.

ويبلغ حجم الدعم الذي تتحمله الدولة نتيجة الفجوة بين الأسعار المعلنة والتكلفة الفعلية لإنتاج البنزين بأنواعه، والسولار، والبوتاغاز، نحو 366 مليون جنيه يومياً، ما يعادل نحو 11 مليار جنيه شهرياً.

ورغم الانخفاض الأخير في أسعار خام برنت والأسعار العالمية، إلا أن هذا التراجع لم ينعكس بشكل كبير على التكلفة المحلية، إذ انخفضت تكلفة لتر السولار بنحو 40 قرشاً فقط، وهو ما أدى إلى استمرار الفجوة بين سعر البيع للمستهلك والتكلفة الفعلية التي تتحملها الدولة.

تأثير ملحوظ على أسعار السلع

أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، حسن الصادي قال لـ"الشرق"، إن رفع أسعار المواد البترولية سيرفع كلفة عدد كبير من السلع والمنتجات في السوق ما بين 10% إلى 15%، مما سيرفع التضخم. وأضاف: "السوابق التاريخية تؤكد ذلك".

وقال الصادي: "كان يجب خفض أسعار المواد البترولية أو على الأقل الإبقاء عليها وليس زيادتها، خاصة في ظل تراجعها عالمياً، لأن ذلك كان سيساهم في تثبيت الأسعار وكبح جماح التضخم، مما يعطي الأريحية للبنك المركزي في خفض الفائدة كما كان متوقعاً. وألمح إلى أن "الأخطر من تسبب زيادة أسعار المحروقات في رفع معدلات التضخم هو أن الجنيه سيضعف أكثر وقد يصل الدولار الواحد إلى 58 جنيهاً بنهاية 2025".

عقب القرار وزيادة سعر أسطوانة البوتاجاز التجارية، ارتفعت أسعار الخبز السياحي بنسبة 10%، بحسب خالد صبري، المتحدث باسم شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية المصري، لـ"الشرق". مضيفاً: "بعض المخابز قد تلجأ إلى تخفيض وزن الرغيف بمقدار 10 غرامات، لتجنب الخسائر دون اللجوء إلى رفع الأسعار".

فيما أكد شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، ثبات سعر رغيف الخبز البلدي المدعم والمُسعر على بطاقات التموين بسعر 20 قرشاً للرغيف.

قطاعات صناعية

محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، قال إن الصناعات الأكثر استخداماً للطاقة ستتأثر بشكل كبير وفوري كالحديد والزجاج والأسمنت والسيراميك والأسمدة، والتي يُتوقع ارتفاع أسعارها بنفس نسب الزيادة في الوقود، نتيجة ارتفاع التكلفة.

أضاف البهي في حديثه مع "الشرق"، أن ذلك سيؤثر على بنود النقل بالشركات بسبب زيادة السولار، مشيرا إلى أن "سعر البترول انخفض في العالم كله فلماذا يتم رفعه في مصر؟ لا بد من وضع حلول لا تأتي على حساب الناس، المستهلك سيتأثر وسط مغالاة التجار في رفع الأسعار بسبب كثرة الحلقات الوسيطة".

هانى برزي رئيس مجلس إدارة شركة إيديتا للصناعات الغذائية المصرية، قال إنه لا يوجد تأثير أو تغيير على سياسة تسعير المنتجات الغذائية بعد رفع أسعار المحروقات".

وبحسب قرار اللجنة، فقد تم الإبقاء على سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية.

أوضح برزي في حديثه لـ"الشرق"، أن أغلب الشركات أخذت في اعتبارها الزيادات المحتملة في التكلفة الناتجة عن زيادات أسعار الوقود في سياستها التسعيرية للعام الجاري.

"ارتفاع أسعار المواد البترولية يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، حيث سيرفع تكلفة الإنتاج بشكل طفيف، لكنه يزيد من تكلفة النقل، مما يؤدي إلى زيادة أعمق في سعر المنتج النهائي"، بحسب محمد نجم، العضو المنتدب لشركة العربية لحليج الأقطان.

نجم، أضاف في حديثه لـ"الشرق": "تكلفة الطاقة تؤثر بشكل جذري في قطاع حليج الأقطان كثيف العمالة، حيث سيترتب على ذلك إعادة تقييم أجرة الحليج لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة والأجور".

وأضاف: "ارتفاع تكلفة الإنتاج يقلل من قدرة المنتج المصري على المنافسة في الأسواق العالمية، خاصة أمام دول مثل الهند وباكستان، التي تتميز بسعر طاقة جيد ومستقر، وحوافز قوية للتصدير، بالإضافة إلى كفاءة العمالة"، بحسب نجم.

إيمان، لم تيأس من التفكير وما زالت تستقطع وقتاً أكبر من يومها خلال العمل وبالمنزل في كيفية مواجهة التضخم وزيادات الأسعار.. لتنهي حديثها مع "الشرق" قائلة: "التفكير لن يؤدي لشيء.. ربنا لا ينسى دائماً عباده".